فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (147):

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أثنى سبحانه وتعالى على فعلهم أتبعه قولهم فقال: {وما كان} أي شيء من القول: {قولهم} أي بسبب ذلك الأمر الذي دهمهم {إلا أن قالوا} أي وهم يجتهدون في نصر دين الله ناسبين الخذلان إلى أنفسهم بتعاطي أسبابه {ربنا اغفر لنا ذنوبنا} أي التي استوجبنا بها الخذلان {وإسرافنا في أمرنا} هضمًا لأنفسهم، فمع كونهم ربانيين مجتهدين نسبوا ما أصابهم إلى ذنوبهم، فافعلو أنتم فعلهم لتنالوا من الكرامة ما نالوا، كما أشار لكم سبحانه وتعالى إلى ذلك قبل الأخذ في قص القصة عندما وصف به المتقين من قوله: {أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} [آل عمران: 135].
ولما دعوا بمحو ما أوجب الخذلان دعوا بثمرة المحو فقالوا: {وثبت أقدامنا} إشارة إلى أن الرعب من نتائج الذنب، والثبات من ثمرات الطاعة- إنما تقاتلون الناس بأعمالكم- ثم أشاروا إلى أن قتالهم لهم إنما هو لله، لا لحظ من حظوظ النفس أصلًا بقوله: {وانصرنا على القوم الكافرين}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ} كالتتميم والمبالغة في صلابتهم في الدين وعدم تطرق الوهن والضعف إليهم بالكلية، وهو معطوف على ما قبله، وقيل: كلام مبين لمحاسنهم القولية إثر بيان محاسنهم الفعلية. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا} يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى، والمعتزلة يحملونه على فعل الألطاف.

.قال ابن عاشور:

وقوله تعالى: {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا} الآية عطف على {فما وهنوا} لأنَّه لمّا وصفهم برباطة الجأش، وثبات القلب، وصفهم بعد ذلك بما يدلّ على الثبات من أقوال اللِّسان الَّتي تجري عليه عند الاضطراب والجزع، أي أنّ ما أصابهم لم يخالجهم بسببه تردّد في صدق وعد الله، ولا بَدَر منهم تذمّر، بل علموا أنّ ذلك لحكمة يعلمها سبحانه، أو لعلَّه كان جزاء على تقصير منهم في القيام بواجب نصر دينه، أو في الوفاء بأمانة التكليف، فلذلك ابتهلوا إليه عند نزول المصيبة بقولهم: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} خشية أن يكون ما أصابهم جزاء على ما فرط منهم، ثُمّ سألوه النصر وأسبابه ثانيًا فقالوا: {وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} فلم يصُدّهم ما لحقهم من الهزيمة عن رجاء النَّصر، وفي الموطأ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل يقول: دعوت فلم يُستجب لي» فقصر قولهم في تلك الحالة الَّتي يندر فيها صدور مثل هذا القول، على قولهم: {ربنا اغفر لنا} إلى آخره، فصيغة القصر في قوله: {وما كان قولهم إلا أن قالوا} قصر إضافي لردّ اعتقاد من قد يتوهمّ أنَّهم قالوا أقوالًا تنبئ عن الجزع، أو الهلع، أو الشكّ في النَّصر، أو الاستسلام للكفار.
وفي هذا القصر تعريض بالَّذين جزِعوا من ضعفاء المسلمين أو المنافقين فقال قائلهم: لو كلّمنا عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان.
وقدّم خبر (كان) على اسمها في قوله: {وما كان قولهم إلا أن قالوا} لأنَّه خبر عن مبتدأ محصور، لأنّ المقصود حصر أقوالهم حينئذ في مقالة {ربنا اغفر لنا ذنوبنا} فالقصر حقيقي لأنَّه قصر لقولهم الصّادر منهم، حين حصول ما أصابهم في سبيل الله، فذلك القيد ملاحظ من المقام، نظير القصر في قوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} [النور: 51] فهو قصر حقيقي مقيّد بزمان خاص، تقييدًا منطوقًا به، وهذا أحسن من توجيه تقديم الخبر في الآية بأنّ المصدر المنسبك المؤوّل أعرف من المصدر الصّريح لدلالة المؤوّل على النسبة وزمان الحدث، بخلاف إضافة المصدر الصّريح، وذلك جائز في باب (كان) في غير صيغ القصر، وأمَّا في الحصر فمتعيّن تقديم المحصور.
والمراد من الذنوب جميعها، وعطف عليه بعض الذنوب وهو المعبّر عنه هنا بالإسراف في الأمر، والإسراف هو الإفراط وتجاوز الحدّ، فلعلّه أريد به الكبائر من الذنوب كما نقل عن ابن عبَّاس وجماعة، وعليه فالمراد بقوله: أمرْنا، أي ديننا وتكليفنا، فيكون عطف خاص للاهتمام بطلب غفرانه، وتمحّض المعطوف عليه حينئذ لبقية الذنوب وهي الصّغائر.
ويجوز عندي أن يكون المراد بالإسْراف في الأمر التقصير في شأنهم ونظامهم فيما يرجع إلى أهبة القتال، والاستعداد له، أو الحذر من العدوّ، وهذا الظاهر من كلمة أمْر، بأن يكونوا شكُّوا أن يكون ما أصابهم من هزيمتهم في الحرب مع عدوّهم ناشئًا عن سببين: باطننٍ وظاهر، فالباطن هو غضب الله عليهم من جهة الذنوب، والظاهرُ هو تقصيرهم في الاستعداد والحذر، وهذا أولى من الوجه الأول. اهـ.

.قال الفخر:

قال القاضي: إنما قدموا قولهم: {ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا} لأنه تعالى لما ضمن النصرة للمؤمنين، فإذا لم تحصل النصرة وظهر أمارات استيلاء العدو، دل ذلك ظاهرًا على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين؛ فلهذا المعنى يجب عليهم تقديم التوبة والاستغفار على طلب النصرة، فبين تعالى أنهم بدأوا بالتوبة عن كل المعاصي وهو المراد بقوله: {ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا} فدخل فيه كل الذنوب، سواء كانت من الصغائر أو من الكبائر، ثم إنهم خصوا الذنوب العظيمة الكبيرة منها بالذكر بعد ذلك لعظمها وعظم عقابها وهو المراد من قوله: {وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا} لأن الإسراف في كل شيء هو الإفراط فيه، قال تعالى: {قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} [الزمر: 53] وقال: {فَلاَ يُسْرِف في القتل} [الإسراء: 33] وقال: {كُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأعراف: 31] ويقال: فلان مسرف إذا كان مكثرا في النفقة وغيرها، ثم إنهم لما فرغوا من ذلك سألوا ربهم أن يثبت أقدامهم، وذلك بإزالة الخوف عن قلوبهم، وإزالة الخواطر الفاسدة عن صدورهم، ثم سألوا بعد ذلك أن ينصرهم على القوم الكافرين، لأن هذه النصرة لابد فيها من أمور زائدة على ثبات أقدامهم، وهو كالرعب الذي يلقيه في قلوبهم، وأحداث أحوال سماوية أو أرضية توجب انهزامهم، مثل هبوب رياح تثير الغبار في وجوههم، ومثل جريان سيل في موضع وقوفهم، ثم قال القاضي: وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمحن سواء كان في الجهاد أو غيره. اهـ.

.قال الجصاص:

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} الْآيَةَ.
فِيهِ حِكَايَةُ دُعَاءِ الرِّبِّيِّينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَتَعْلِيمٌ لَنَا لَأَنْ نَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ عِنْدَ حُضُورِ الْقِتَالِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوا بِمِثْلِهِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ الله تعالى حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لَهُمْ وَالرِّضَا بِقَوْلِهِمْ لِنَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ وَنَسْتَحِقَّ مِنْ الْمَدْحِ كَاسْتِحْقَاقِهِمْ. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقولهم: {وثبت أقدامنا} يحتمل أن يجري مع ما قبله من معنى الاستغفار، فيكون المعنى: اجعلنا دائبين على طاعتك والإيمان بك، وتثبيت القدم على هذا: استعارة، ويحتمل أن يكون في معنى ما بعده من قوله: {وانصرنا على القوم الكافرين} فيراد ثبوت القدم حقيقة في مواقف الحرب، قال ابن فورك: في هذا الدعاء رد على القدرية، لقولهم: إن الله لا يخلق أفعال العبد، ولو كان ذلك لم يسغ أن يدعي فيما لا يفعله. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} أي وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا هذا القول، وهو إضافة الذنوب والإِسراف إلى أنفسهم هضمًا لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالها والاستغفار عنها، ثم طلب التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو ليكون عن خضوع وطهارة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

الجمهور على نصب {قَوْلِهِمْ} خبرًا مقدَّمًا، والاسم أنْ وما في حيزها، تقديره: وما كان قولهم إلا هذا الدعاء، أي: هو دأبهم وديدنهم.
وقرأ ابن كثيرٍ وعاصم- في رواية عنهما- برفع {قولُهم} على أنه اسم {كان} والخبر أن وما في حيزها. وقراءة الجمهور أوْلَى؛ لأنه إذا اجتمع معرفتانِ فالأولى أن تَجْعَل الأعرف اسمًا، وأن وما في حيزها أعْر أعْرَف؛ قالوا: لأنها تُشْبِه المُضْمَر من حيثُ إنها لا تُضْمَر، ولا تُوصَف، ولا يُوصَف بها، و{قولهم} مضافٌ لمُضْمَرٍ، فَهُوَ في رُتْبَةِ العَلَمِ، فهو أقلُّ تعريفًا.
ورَجَّحَ أبو البقاء قراءة الجمهور بوجهين:
أحدهما: هذا، والآخر: أن ما بعد {إلاَّ} مُثبَت، والمعنى: كان قولَهُمْ: ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا دَأبَهم في الدعاء، وهو حَسَنٌ.
والمعنى: وما كان قولهم شيئًا من الأقوالِ إلا هذا القول الخاصّ.
قوله: {في أَمْرِنَا} يَجُوز فيه وجهانِ:
الأول: أنه متعلق بالمصدر قبله، يقال: أسرفتُ في كذا.
الثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حَالٌ منه، أي: حال كونه مستقرًا في أمرنا. والأول أوجهُ. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الألوسي:

وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية عنهما برفع {قَوْلُهُمْ} على أنه الاسم والخبر إن وما في حيزها أي ما كان قولهم شيئًا من الأشياء إلا هذا القول المنبئ عن أحاسن المحاسن، قال مولانا شيخ الإسلام: وهذا كما ترى أقعد بحسب المعنى وأوفق بمقتضى المقام لما أن الأخبار بكون قولهم المطلق خصوصية قولهم المحكي عنهم مفصلًا كما تفيده قراءتهما أكثر إفادة للسامع من الأخبار بكون خصوصية قولهم المذكور قولهم لما أن مصب الفائدة وموقع البيان في الجمل الخبرية هو الخبر، فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدث وأوفر اشتمإلا على نسب خاصة بعيدة من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامع، ولا يخفى أن ذلك هاهنا في أن مع ما في حيزها أتم وأكمل، وأما ما تفيده الإضافة من النسبة المطلقة الإجمالية فحيث كانت سهلة الحصول خارجًا وذهنًا كان حقها أن تلاحظ ملاحظة إجمالية وتجعل عنوانًا للموضوع لا مقصودًا بالذات في باب البيان، وإنما اختار الجمهور ما اختار والقاعدة صناعية هي أنه إذا اجتمع معرفتان فالأعرف منهما أحق بالإسمية، ولا ريب في أعرفية أن قالوا لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث ولأنه يشبه المضمر من حيث أنه لا يوصف ولا يوصف به، وقولهم مضاف إلى مضمر وهو بمنزلة العلم فتأمل. انتهى.
وقال أبو البقاء: جعل ما بعد {إِلا} اسمًا لكان، والمصدر الصريح خبرًا لها أقوى من العكس لوجهين: أحدهما: أن {أَن قَالُواْ} يشبه المضمر في أنه لا يوصف وهو أعرف، والثاني: أن ما بعد {إِلا} مثبت، والمعنى كان قولهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا الخ دأبهم في الدعاء، وقال العلامة الطيبي: كأن المعنى ما صح ولا استقام من الربانيين في ذلك المقام إلا هذا القول وكأن غير هذا القول مناف لحالهم، وهذه الخاصية يفيدها إيقاع إن مع الفعل اسما لكان، وتحقيقه ما ذكره صاحب الانتصاف من أن فائدة دخول {كَانَ} المبالغة في نفي الفعل الداخل عليه بتعديد جهة فعله عمومًا باعتبار الكون وخصوصًا باعتبار خصوصية المقال فهو نفى مرتين، ثم قال: فعلى هذا لو جعلت رب الجملة أن قالوا واعتمدت عليه وجعلت قولهم كالفضلة حصل لك ما قصدته ولو عكست ركبت التعسف، ألا ترى إلى أبي البقاء كيف جعل الخبر نسيًا منسيًا في الوجه الثاني واعتمد على ما بعد إلا انتهى.
ومنه يعلم ما في كلام مولانا شيخ الإسلام فإنه متى أمكن اعتبار جزالة المعنى مع مراعاة القاعدة الصناعية لا يعدل عن ذلك إلى غيره لاسيما وقد صرحوا بأن جعل الاسم غير الاعرف ضعيف، قال في المغني: واعلم أنهم حكموا لأن وإن المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير لأنه لا يوصف كما أن الضمير أيضا كذلك فلهذا قرأت السبعة {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الجاثية: 25] {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [النمل: 56] والرفع ضعيف كضعف الأخبار بالضمير عما دونه في التعريف انتهى، وعلل بعضهم أعرفية المصدر المؤل بأنه لا ينكر.
وقد اعترضوا على كل من تعليلي ابن هشام والبعض، أما الاعتراض على الأول فبأن كونه لا يوصف لا يقتضي تنزيله منزلة الضمير فكم اسم لا يوصف بل ولا يوصف به وليس بتلك المنزلة؟ وأجيب بأنه جاز أن يكون في ذلك الإسم مانع من جعله بمنزلة الضمير لأن عدم المانع ليس جزءًا من المقتضى ولا شرطًا في وجوده، وأما الاعتراض على الثاني فبأنه غير مسلم لأنه قد ينكر كما في {وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يفترى} [يونس: 37] أي افتراءًا قاله الشهاب.
وأجيب بأن مراد من قال: إن المصدر المؤل لا ينكر أنه في مثل هذا الموضع لا ينكر لا أن الحرف المصدري لا يؤل بمصدر منكر أصلًا، ويستأنس لذلك بتقييد المصدر بالمعرف في عبارة المغني حيث يفهم منها أن أن وإن تارة يقدران بمصدر معرف وتارة بمصدر منكر وأنهما إذا قدرا بمصدر معرف كان له حكم الضمير، ومن هنا قال صاحب المطلع في معنى ذلك التعليل: إن قول المؤمنين إن اختزل عن الإضافة يبقى منكرًا بخلاف {أَن قَالُواْ} بقي في كلام المغني أمور، الأول: أن التقييد بأن وإن هل هو اتفاقي أم احترازي؟ الذي ذهب إليه بعض المحققين الأول: احتجاجًا بأنه أطلق في الجهة السادسة من الباب الخامس أن الحرف المصدري وصلته في نحو ذلك معرفة فلا يقع صفة للنكرة ولم يخص بأن وإن وللذاهب إلى الثاني أن يقول فرق بين مطلق التعريف وكونه في حكم الضمير كما لا يخفى، وابن هشام قد أخذ المطلق في المطلق وقيد المقيد بالمقيد فلا بأس بإبقاء كلا العبارتين على ما يتراءى منهما الثاني: أنه يفهم من ظاهره أن الاداتين لو قدرتا بمصدر منكر لا يكون في حكم الضمير وظاهر هذا أنه يجوز الوصف حينئذ وفيه تردد لأنه قد يقال: لا يلزم من عدم ثبوت مرتبة الضمير لذلك جواز الوصف لأن امتناع الوصف أعم من مرتبة الضمير، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
الثالث: أنه يفهم من كلامه أن المصدر المقدر المعرف بالإضافة سواء أضيف إلى ضمير أو غيره بمثابة الضمير ولم يصرح أحد من الأئمة بذلك لكن حيث إن ابن هشام ثقة وإمام في الفن ولم ينقل عن أئمته ما يخالفه يقبل منه ما يقول، الرابع: أن ما حكم به من أن الرفع ضعيف كضعف الأخبار بالضمير عما دونه في التعريف بينه وبين ما ذهب إليه ابن مالك من جواز الأخبار بالمعرفة عن النكرة المحضة في باب النواسخ بون عظيم، ويؤيد كلام ابن مالك قوله تعالى: {فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} [الأنفال: 62] وكأنه لتحقيق هذا المقام ولما أشرنا إليه أولًا في تحقيق معنى الآية قال المولى قدس سره: فتأمل فتأمل. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}.
تحققوا بحقائق المعنى فَخَرِسُوا عن إظهار الدعوى، ثم نطقوا بلسان الاستغفار، ووقفوا في موقف الاستحياء، كما قيل:
يتجنَّبُ الآثامَ ثم يخافها ** فكأنَّما حسناتُه آثامُ

اهـ.

.من فوائد الفخر الرازي:

بين تعالى أنهم كانوا مستعدين عند ذلك التصبر والتجلد بالدعاء والتضرع بطلب الأمداد والإعانة من الله، والغرض منه أن يقتدي بهم في هذه الطريقة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن من عول في تحصيل مهماته على نفسه ذل، ومن اعتصم بالله فاز بالمطلوب. اهـ.